الجمعة، 3 أغسطس 2012

اذكروني يوم النصر بالزغاريد ..







كان هناك ..
 في تلك البقعة من الوطن حين عانقه أول مرة بهتاف
كان قد خبأ منذ عقود حبا جارفا لم يفصح عنه ,
كان شديد الفرح , وهو يسبُّ ! , وكان شديد الحزن حين يضطر للسكوت !

أحبّها حبّا عذريا , طاهرا ,
يغار عليها عن بعد وهو يتألم لعجزه أمام مغتصبيها !
لم يكن قليل شرف ولا عديم ناموس , بل كان عاشقا خائر القوى ..
عاشقٌ يعلم حقيقة ضعفه و أن يده وحدها لا تصفق ،
يرقبها عن بعدٍ و حسرة وينتظر ..
انتظر طويلا ثورة محبيها و عشاقها الآخرين  .. انتظرهم عمره كله
انتظرهم منذ الرصاصة التي قتلت والده
منذ قطرة الدم الأولى التي أعطته لقب " يتيم "
رصاصةٌ في ثورة منسية في فضاءات من السكوت ,
لم يكفها يتمه من أرضه , وأصرّت أن يُتِم يتمه من أبيه ..

ثار في 8 / 4 / 2011 ..
لم تأخذ ثورته ذاك التدرج في الانتقال من متفرج لمتظاهر لمصور لـ .. لـ .. لـ ...
كانت كل ذاك في ذات الوقت .. تظاهر مصورا و هاتفا و هتّيفا في آن ..!

أذكر أننا كنا معا و كتفي بكتفه وكنا نهتف خلف شخص ما ونردد " يا حيف حماة ياحيف , شعبك واقف ع الرصيف "
حين ركض فجأة و أمسك مكبرالصوت من الشاب و هتف " يا بشار ويا ديّوس , على راسك بدنا ندوس "
هتفها ملأ قلبه , ملأ قناعته و مبتغى حلمه ..
كنتُ أسمع هذا الهتاف لأول مرة , و أظن أنه هو من ألّفَه قبل أن ينتشر بعدها في كلّ سوريا !
لم يكن ملثّما حينها , ونسيّ نفسه , فبات مطلوبا ,
بل أنّ اسمه أصبح الرقم واحد على لوائح الاعتقالات !,
 والأمن في كل مرة يدهمنا فيها يسأل : " مين هاد أبو جميل ؟ وين منلاقيه ؟ "

أذكرها مرّة ذهبت معه فيها لنبارك بالإفراج عن أصدقاء لنا كانوا معتقلين ..
كان الشهيد فيصل يحضن احدهم حين قال له : تاني شخص سألوني عنو هو انت , دير بالك ع حالك
فضحك الشهيد و لم يعبأ كعادته !

شهرٌ وشهرٌ و آخر و بدأت مليونيات العاصي , و كان فيصل قد انتقل خلال هذي الاشهر من متظاهر ثائر إلى منظم و مشرفٍ ومنسق .. وصانع مشانق

أشرف في شهر 7 على حواجز حماة
أشرف في جمعة " أحفاد خالد " على ذاك العلم البشري المنظم في ساحة العاصي
أشرف على خطِّ اللافتات التي رفعت على ساعة حماة
و أسهم بما استطاع , بالمطالبة بالإفراج عن معتقلي حماة حينها
أسهم بحماية المشافي " دون أن يكون له سلاح إلا جسده  " و أسهم بإسعاف مصابي المظاهرات
أسهم بنقل الأدوية وجمعها من هنا وهناك ,
أسهم و أسهم و أسهم ونظم ..
في آخر جمعة تظاهر فيها الحمويون في ساحة العاصي قبل دخول الجيش .. رٌفِعَ مجسّمٌ خشبي لبشار الاسد بجناحين مشنوقا
رُفِعَ على ساعة حماة , لم ينل نصيبه من التصوير و الاعلام ,, كان الشهيد فيصل من نحته و شنق بشار ..

كان  " ثورة " وحده !
كنا نوقظه في الثامنة صباحا ولا نتركه إلا في الرابعة فجرا , و كلّما استجد أمر معنا هاتفناه و طلبناه فوجدناه كما عادته حاضرا..

إيــــــــــــــه  ..

31 / 7 / 2011 .. دخل الجيش , و خرجت من بنادقهم أربعة رصاصات
استقرت كلها في جسمه وحده ..
ابتسم
أسعفوه
خدّروه
نوى الصيام
صام
ابتسم
استشهد ...

لم يتثنَّ له أن يدوس على رأس بشار كما هتف
لكننا واللــــــــــــه يا فيصل .. سندوسُ وندوسُ وندوسْ ، و ..

سنذكرك يوم النصر بالزغاريد  ،!










2012/8/2 م  .. 

رسائل حنين ..،













_ لأن نفْسَكَ كانت حرة , لم ترضَ أن تعود لجحر الذل من جديد ..
عشت معنا أيام حرية لن ننساها , ثم مضيت مع أول يوم للاحتلال إلى هناك , إلى فردوسك
 حيث الحرية المطلقة ..

_ حزمة الإصلاحات التي وعد بها بشار , لم تمر إلا في قلبك ..
وفي صدرك مرّت إصلاحات الأسد !!


_ من أين أتيت بكل تلك القوة وقد جئت الدنيا مثلنا دون ضجيج لترحل بكل ذاك الصخب الذي مازال مستمرا منذ عام ..
لم تكن عاديّا ,,
 بل نحن من كنا بسطاء لدرجة أن سوّينا أنفسنا بك !


_ حرمونا حتى زيارتك في القبور ..
لربما يظنون أن تواصلنا له حدودٌ تقطعه حواجزهم !
ألم يعلموا أنك ما زلت فينا ..
ضحكتك مازال صداها , و بسمتك و أنت شهيد وحدها من تجعلني أواصلْ طالبا مصيرا حلوا كالذي اختصك الله به..


_ في بداية الثورة كنت تعلم حماسي لها و تعطشي لصورة فيها إذلال لبشار أو حافظ , أذكر جيدا تلك الصور التي كنت تحتفظ بها على جوالك الخاص و تأتيني متقصدا , تريني إياها , وحين أطلب نقلها منك تضحك و تمسحها أمام عيني مجاكرا و عيونك ترقص من لذة خفية علمت ماهي يوم ارتقيتَ لعليين ..
لك والله اشتقت لمقالبك يا أبو جميل !

_ رحلت عنا أولى ليالي رمضان , كان المفترض أن يكون القمر هلالاً مازال .. إلا يومها ..
كان هلالاً في السماء , وكنتَ بدراً ضاحكاً نال حتفه المثير ..

_ في حماة نصبٌ قديم لجندي مجهول .. نعرف النصبْ ، و نرى عنده خوذةً بلا جندي ..
عرفتُ الجندي المجهول ذاك حين ابتسمتَ أنت  للشهادة و عانقتَ ثرى الوطن ..
وعرفتُ أنه أقيم لأجلك لكن ..
قبل موتك بعقود !

_ عرفتك عاديّا بسيطا محبا للحياة و المرح , لم أكن أعرف أنّي في حضرة شهيد .. و أنّ ذاك الألَقَ المترامي في مساحات عينيك لم يكن سوى شعاع فجر اقترب , ونور الحرية الأبدية التي وهبت لك ..!

_ لما كنت معك بالصف ونحنا صغار كنت فكرك انسان عادي ، بس طلعت بطل..
يرحم البطن اللي حملك شهيد ابن شهيد
مبروك عليك الشهادة أبو جميل ،
لا تفكر أنوا نسيناك والله أنت بالقلب وعلى دربك سايريين للحرية بإذن الله
الله يرحمك ياغالــــــــــــــــــــــــــــــــــي
 ..


_ مرّت سنة ..
مازلتُ موقنا بعودتك .. أنتظرك كل فجر ..
أحادثك كل يوم .. أسألك عن تفاصيل العمل الثوري مع كل مداهمة للأمن ..
لكنك من سنة لا تجيب !
لا تدمن الصمت ..
أعلَمُ يقينا أنك حيّ ,  يرزُقُكَ الله من حيث لا تحتسب !
لا زلتُ أرقبُ عودتك , مؤكدٌ سألقاكَ يوم النصر في ساحة العاصي ..!

_ أذكرك رقيبا عليَّ في الجيش ..
كأنه الأمس , ظرافتك ، نخوتك , شهامتك , فزعتك لحمايتنا و تغطية أخطائنا و منعنا من العقاب لا أنساها ... ولا أنساك !


_ لم يكن ينقصك مالٌ لتثور
كان ينقصك الهواء .. كنت تريد فقط أن تتنفس ،
 وهم أدركوا جيدا خطورة التنفس عندما يبدأ هواية ويتحول فجأة إلى مبدأ .. فقتلوك !!


_ أطفالُ درعا الذين حَمَّلُونا أمانة الطفولة , يترنحون اليوم بين العزة والدماء !
ليسوا وحدهم اليوم ، قد كثُرت أطيار الجنة !
أولئك الأطفال الذين ولدوا غرباء عن العالم , والذين فزِعتَ لطفولتهم المبتورة , ما زالوا ينزفون .. ومازالت طفولتهم مصلوبة على نصال السكاكين ..


_ ذاك السطرُ في تلك القناة التي بثت وداعك على سرير الحياة الآبدية
حروفه لليوم أراها : مشهد مؤثر لامرأة من حماة تودع زوجها الذي قتلته قوات الأسد
وعدٌ عاهدت الله فيه ..
أن أقاوم حتى اللحظة التي يغطي الشاشة ذاتها في القناة ذاتها خبر هلاك بشار ويقولون فيه : مشهد مؤثر لزغاريد النصر في ساحات سوريا  ..
سأردُّ الدين أبا جميل سأردّه و ..




’’ سأذكرك يوم النصر بالزغاريد ،،










2012/8/2 م ..