الخميس، 24 مايو 2012

حراك حماه.. ومحاولة الخروج من الإرث المر














طارق العبد ..

عندما يُذكر اسم حماه، يتبادر إلى أذهان السوريين أيام الرصاص والحديد خلال الثمانينيات، يوم شهدت مدينة النواعير معارك عنيفة بين الجيش السوري وجماعة «الإخوان المسلمين» التي تمركز معظم قادتها وأنصارها فيها. 

بعد ثلاثين عاماً، لم ينس الحمويون الجرح الغائر الذي خلّفه الحصرم الثمانيني، غير ان الأهالي لا يترددون في تأكيد «سلمية» حراكهم الحالي وأحقية مطالبهم، محاولين الابتعاد عن ظل «الإخوان» الذي لا يزال يلاحقهم، بعد أشهر طويلة من العمليات الأمنية التي تشهدها البلاد والتي حوّلت مدينة أبي الفداء الى ساحة حرب أجبرت الكثير من أبنائها على النزوح الى ادلب او حمص .. حيث التوتر سائد ايضاً.
تفرق الناس بين العاصمة دمشق وباقي المدن فيما بقي عشّاق العاصي في أماكنهم. لكن الوصول للنشطاء من حماه كان صعباً في كل الأحوال، خصوصاً داخل المدينة التي تعيش على وقع هدوء ما قبل العاصفة او حتى ما بعدها، حيث إطلاق الرصاص يتردد في بعض الأوقات فيما تسود بعض الشوارع إضرابات وقطع طرق ومناشير مقابل شوارع أخرى تبدو الحياة فيها أكثر هدوءاً. 

اللافت أن يقرّ نشطاء حماه المعارضون بحقيقة المسيرات المؤيدة للنظام السوري والتي تخرج لتهتف للرئيس بشار الأسد، غير أنهم لا يترددون في المقابل في لوم النظام معيشياً. ويقول أحمد، ناشط في الحراك الشعبي، «لنكن واقعيين، هم قادرون على فتح كل محال حماه وإرغام الأهالي على العمل. أما سوق المدينة، فيشهد غلاء لا حدود له». ويضيف احد أبناء المنطقة معلقاً: «الخبز والبصل والطماطم والليمون.. هي أساسيات مطبخنا، والآن أصبحت ترفاً بسبب أسعارهم». 

تعددية حماه ..
 
من داخل السيارة التي تجول بنا في شوارع حماه وأزقتها الضيقة او المهدّمة والتي تعيش هدوءاً حذراً، يمكن رصد بعض المظاهر التي يعيشها أبناء مدينة النواعير. يخبرنا مرافقنا أن «حراك حماه لحق بحراك درعا وحمص وبانياس.. وكما نراه فقد جاء في الوقت الأنسب. فلم يكن متوقعاً أن يكون حراك المدينة بهذه السرعة وبهذا الحجم كونها تحمل إرثاً هائلاً من الألم والخوف عمره ثلاثون عاماً». ويضيف مرافقنا «بدايات الحراك كانت من مسجد عمر ابن الخطاب وعلى يد مجموعة من الشباب الذين دخلوا إلى المسجد ونادوا بالتكبير في نهاية الصلاة آملين أن تدفع النخوة المتواجدين إلى مشاركتهم تحركهم.. وهكذا حصل. اتسعت رقعة الحراك ببطء، لكن بشكل ملحوظ حتى طالت منطقة السوق. وبعد سقوط أول قتيل في حماه، تضاعفت أعداد المشاركين بسرعة حتى وصلت إلى العدد الذي قدَر بـ500 ألف متظاهر اجتمعوا في ساحة العاصي»...
 
يستقبلنا أنس، شاب ناشط من قلب حماه، ليشرح لنا مع رفاقه عن أسرار المنطقة التي «ظلمها الإعلام» بحسب قول رفاقه، «فحماه أكثر المدن اشتعالاً وتلامساً طائفياً وتطلعاً لسوريا المستقبل». مقدمة تشجعنا لفتح أبواب الحديث عن المجريات، فنسأله عن رؤيته للبلاد. يقول انس «سوريا الجديدة... عبارة عن سفينة تبحر في بحر الكرامة المفقودة ... ويعيش أهلها بحرية.. لن نضطر لدفع 25 ليرة لشرطي ولن نضطر إلى دفع مبلغ ما لتسيير معاملة في شعبة التجنيد». وعن حماة في العقود القديمة، يتحدث أنس بحماس «كنا نتعامل مع الجميع بدون حتى التفكير بهويتهم الدينية. كان العلوي يسهر مع السنّي، ويمضي المسيحي أوقاته مع الاثنين، وإلى الآن توجد أحياء داخل حماه فيها طوائف واديان مختلفة، وحي المدينة أكبر مثال على ذلك»... نعيده إلى مسألة الطائفية فيشرح ورفاقه الألوان المختلفة في حماه، لتبدو صورة لا تشبه غيرها من المدن. وهنا يحدد الرجل كلامه عن الطائفة العلوية «الموجودة قبل مجيء النظام ولا ذنب لها بما قام به النظام...». 

حماه ليست حمص ..

ينطلق الحوار مع نشطاء «الثورة» بالطمأنة. هم معنا اذاً نحن في أمان نسبي. نسأل عن حال «الثورة» السلمية والاتجاه نحو «العسكرة»، فتتحدث شابة ناشطة بثقة عن حماه «النموذج الأوضح لسلمية الثورة.. وربما لذلك عانت من قمع الطرفين. فقمع السلطة جاء بعدما احتشد نصف مليون متظاهر في ساحة العاصي وسط المدينة وتظاهروا بكل سلمية داعين لإسقاط النظام إضافة لصوت مغني الثورة إبراهيم قاشوش. بالطبع أزعج الأمر نظام الشام. فعين محافظاً جديداً افتتح عهده باعتقال قاشوش ورمى جثته بطريقة وحشية، لتبدأ عندها مرحلة التشدد الأمني ثم دخول الجيش».
 
بدوره، يقول أنس إن حماه «من أكثر المدن التي التزمت الخيار السلمي وهي آخر مدينة حملت السلاح. لكن الظروف اجبرتها على ذلك». ويلفت إلى أن وضع حماه مغاير لحمص.. ولا تصح المقارنة فحي بابا عمرو قد يساوي نصف حماه أو أكثر». ويضيف «علماً أننا نريد إسقاط النظام اليوم قبل الغد (سلمياً)، لكن يبقى خيار العسكرة وارد انما مؤلم...
 أفضل الحلول أوسطها، الجميع سلمي، والمظاهرات سلمية. قطع الطرقات ووضع ملصقات لصور الشهداء ما هو إلا إثبات على المضي في الخيار السلمي». أما بالنسبة للجيش الحرّ، فيعتقد أنس أن تواجده «دافع أساسي لاستمرار السلمية وهي نقطة لا تحتاج للخوض فيها كثيراً لأنها باتت معروفة وهي كالخطين المتوازيين فالحراك السلمي إضافة للعسكري كان لهما دور في إضراب الكرامة الذي شهدته حماه قبل ستة أشهر تقريباً. فعند لصق المنشورات تحتاج إلى حماية .. وعند التحرك لتوزيع بعض المعونات تحتاج لحماية، وبالتالي يمكن القول إن الجيش الحرّ أضاف للثورة ولم ينقص منها شيئاً».
اما زميل أنس، الطبيب الجراح هادي، فيعقّب على دور الجيش الحرّ، معتبراً أن «مهمة عناصره تقتصر معظم الوقت على حماية المدنيين أثناء التظاهر والحد من أضرار عمليات المداهمة والاعتقال التي تقوم بها القوى الأمنية بمساندة الجيش النظامي».
يميل شارع حماه حالياً بحسب موظف معارض رفض الكشف عن اسمه، الى القول «يبدو أن النظام نجح في وضعنا في الخندق.. بالتأكيد لا نتمنى إراقة المزيد من الدم السوري ولا نحلم إلا بيوم لا نسمع فيه طلقات الرصاص في سمائنا. مع ذلك، أن الحراك السلمي في حماة مستمر ولم يتوقف لحظة واحدة. التظاهر ورفع أعلام الاستقلال ونظم الأغاني والهتافات وكل ما يندرج تحت تصنيف الحراك السلمي لا يزال يمارس يومياًً». 

 
As-Safir Newspaper - طارق العبد : حراك حماه.. ومحاولة الخروج من الإرث المر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق