السبت، 28 يناير 2012

على أعتاب مدينةٍ .. حيث الذاكرة ! ( 3 )




أقف باكرا قبالة السماء ,
هدوءٌ كما نهارات الخوف الحذر
الشوارع كالقلب الميت بلا أناس ..
ثوانٍ و يظهر رجل ملثم بـ " الحطة الحمراء " وراءه آخر ,
امرأة أخرى على الرصيف المقابل ..

صباح الخير يا حمـــــاه
.,.

بعد ما يقارب الأربعة أيام على إغلاق المخابز مذ دخلت قوى الفرقة الرابعة أحياء حماة تدكّها , يسابق الأهالي اليوم الطيور في مغادرة أعشاشها طالبين كيسا من خبز ..

تدق باب ذاكرتي على الفور قصة عزرائيل حين أتى محاولا زيارة أبي ::

ففي صبح من صباحات شهر الموت في شباط الـ 82 ,, وبعد منع للتجول دام عدة أيام ,, سُمح للأهالي الخروج لبرهة من الزمن لقضاء حوائجهم أيا كانت ..

خرج والدي حينها و هو المسؤول عن زوجه و طفلين , أمه و أخته , زوجة أخيه الأكبر و شقيقه الأصغر ..

خرج يومها و قصد مخبز " شارع العلمين " و بعد اصطفاف طويل في طابور الجوع استطاع نيل بضع أرغفة من قمح الحياة المخبوز
أخذها أبي و بدأ طريقه عائدا للمنزل الكائن في زقاق من أزقة باب البلد , شعر والدي أثناء رجوعه بحركة أشباح السرايا قد أتت ,,
فأخذ يتحرى التعرج و الدخول في الأزقة الفرعية القديمة ومن ممر لآخر .. ومن حارة لأخرى , نالت أصابع الموت تحركاته !

كان أبي حينها أبيض الشعر ,  لرأسه دائرة من الصلع ..
 فأخذ  يبعثر شعيراته و " يهرجل " ثيابه ليظهر بمظهر رجل كبير السن لا حول ولا قوة له ..

لكن لم تنجح تكتيكاته تلك !!  فقد شاء القدر أن يمر والدي و هو يحاول التواري و التخفي في الأزقة ..
أن يمر من أمام منزل لمشايخ حماة من آل " مراد " وكانوا كلهم مطلوبين للموت حينها ,, فطُلِبَ معهم أبي في غفلة من الإنسانية ..

أوقفوا مشايخ آل " مراد " و رصّوهم على الحائط وجههم للحائط وظهرهم لبنادق جند الأسد وكذا أبي , اقتيد و أرغفة خبزه للحائط ذاته بالوضعية ذاتها ,,

طلب من الجميع أن يحنوا قاماتهم و يجثون على الركب ,,
 فعل الجميع ما أمروا به !
بدأت خرطشة البواريد !
بدأ الجند أخذ وضعيات الرمي !
بدأ عزرائيل ملاصقة أجساد المستضعفين !
بدأ الموت يسري في أذهانهم قبل الجسد !
بدأ الذكر و التهليل و التشهد يطمئن قلوبهم !
و بدأ أبي يرتقب حتفه بصور أولاده الجوعى لكن ....!

و قبل إعطاء الأمر بإفراغ أمشطة البنادق في ظهور العزّل .. أتى ضابطٌ لأبي و قال له :
 " معك لرقم 3 أبدي شوفك واقف قدامي و إلا ..."

ركض أبي لأرغفة الخبز حملها و بثوانٍ غاب عن البصر وغابت معه أرواح شيوخ آل مراد جميعهم عن الحياة !

 

... و للأحداث بقية


تمتمات ناعورة
الأحد : 29/1/2012م .. 8:55 صباحا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق