الجمعة، 27 يناير 2012

على أعتاب مدينةٍ .. حيث الذاكرة ! ( 1 )




تعاود الأيام فتح ملفات الذاكرة لا بقراءة الذكريات بل ..
بخطِّ الوقائع ..

تزورني كل يوم قطرة دمٍ حديثة الولادة مع أمٍ لها و أب سقطا في غابر الأيام وداميها !

يخونني صيدي فأرمي دونما جدوى .. ولا أحرف تسعف بناءً لقصصِ المقتولين أحياءً في الذاكرة

كلما همَّ القلم أوقفه خفقان هدير الدماء ,, و موت أنفاس العالقين بين ابتلاع الأرض لقلوبهم و حصد بواريد " السرايا " لأرواحهم !
!

تربينا تباعا في حماة على ألم الجرح ذاته .. و أنين الظلم الفاجر ذاته .. و حشر أهات التوجع في عنق الحلق ذاته

و محاولات كسر الكرامة مرارا .. مرارا .. مرارا  لكن ..  بفشلهم في نيل هدفهم  ذاته .


...

ولدتُ في حماة وكنت كما كل أطفال الدنا ,, أهذي بالصراخ و الإعلان بالصوت العالي عن كل ما أفكر فيه وما يدور في قلبي وعقلي صراحة وعلى الملأ بلا تورية ولا أدنى إحساسٍ بخطورة تلفظي لكلمات باتت من المحرمات !

وكنت ما أن أهمس بحرف حتى تنهال على فمي عشرات الأيادي متكاتفةً تكممهُ , تحبس الكلمات و تغير بكلامها المعاني !

 كل النظرات و الهمسات و الهسهسات تقول لي : اسكتي !

لم أكن أعي معنى أن أقول : حافظ أسد خطف جدو وخالو ,, و قتل خالو وخالتو وحتى خالو المريض قصفو بالمدفعية وموتو !!

لم أكن أعي أن همسة بحرف من حروف الجمل أعلى لربما يكون ثمنها أغلى من حياة !!..
لم أكن أعي تصويرا لقصص الذاهبين إلى الخلود بعثا ببنادق البعث !
لم أكن أعي واقعية لقصص الشهادة فأحسبها على صغري كقصص ساندريلا في نبل الأمير !
لم تكن تصويرات " كتل " الشهداء المتعانقة في زحام الموت لتأخذ حيزا من واقعية لهوي في الحياة !
ولم يكن لطفولة خيالي قدرة إحالة روايات مصاصي الدماء واقعاً أثبتته مجازر حماة !
لم يعبق ذهني الصغير يومها بآلام أمهات في حماة ترنحنَّ بين ثكالى و أرامل ينتظرن خدشةً من طفلٍ لاهٍ في ذاكرتهم فيُنزفها جراحا و أشواقا !

لم يعلق برأسي يومها إلا أنّ أمي أرادت تسميتي باسم خالتي الشهيدة " ندى " فرفضت جدتي منعاً لاستذكار الجرح مع كل لفظ لاسمي
لم يعلق بذهني من القصة و ألمها سوى الاسم فرحتُ أصرِّح به لجدتي مع كل نفَسٍ و كل قُبلة حبٍّ منها لخدي الصغير , فترشحُ بالدموع أمومتها و يغصُّ القلبُ بأناتٍ لا آهاتَ لها .. حيث تواطئت جراح الثكالى مع سكوت المستضعفين بظلم قاهر في غيابت الإذعان للمفدى للأبد فسامت بها أهلي أنواع البلاء



كبــــــــــــــــرتُ ..
فطاردتني أشباح اللعنات من أحياء تحت التراب , أوجعتهم نصال أسياف الجبن في أطراف الغافلين بصحيانهم عن صوت رصاص المارقين ..

في كل حي مشيت فيه في حماة جرح يصف معاناة لجرم أبلجَ لا يوارى بالتجمل !
في كل قصة آلاف من دموعٍ حيارى لا تعرف إن نزلت كم من أرواح ستأخذ معها إلى مكانٍ حيث اللا رجوع !

أقف على العاصي و يداي تسند الخد بعد أن أثقل اللوم المقل , أريد أن أسوغ للميتين ألفاً من عذرٍ و أعذار !
وما أن أهم بفتح القلب حتى تسكتني رصاصات تحصد من الأحياء أحياءً !
ترعبني قوة الرصاص و يذهلني شموخ المدينة !
رصاص رصاص رصاص .. ومطــر
مطرٌ و أحياء ..
أحياءٌ ومدينة ..
مدينةٌ و ذاكرة ..
ذاكرةٌ و شموخ ..
شموخٌ و مجزرة ..
فمجزرةٌ ومجزرةٌ .. وبقــــــــــــــــــــــاء




تمتمات ناعورة ..
الجمعة : 27 / 1 /2012 م .. 11:12 صباحا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق