الأحد، 29 يناير 2012

على أعتاب مدينةٍ .. حيث الذاكرة ! ( 4 )




وتستمر السماء في بوحها و تلقين أوجاعها 
وتستمر القصص 
ويستمر غزل قصائد الرثاء بدموع المطر 
و يجلد رأسي كرباجٌ من الذاكرة 
وتسكنني كل حالات الذهول 
و لا توقف آلامُ الذكريات هديرَها الموجع !

.,.


بعد قصة أرغفة أبي و دم آل مراد , عادت بي الذاكرة إلى عامٍ قبل المجزرة الكبرى 
فعدتُ معها لقصة حدثت في عام 1981 ..

الوقت قبيل الفجر ..
الناس بين نائم و آخر يتوضئ و آخرون على شباك المخبز ينتظرون قطف أول وجبة من خبز !

بهمجية يدق الأبواب مجهولون !
من لم يخف ركض و فتح بابه , ومن خاف و تأخر سَلِم !
يروي القصة رجل عايشها فيقول ::

الفجر دُقت أبواب منازل متفرقة ولا على التعيين , يقف على كل باب جندي , من يفتح بابه يُقاد و يُقَيَّدْ كائنا من كان " طفل أم رجل أم شاب ! " , و هكذا..
 بعد جمع عدد من المستضعفين همَّ الجند مغادرة الحي , وفي طريقهم مرّوا بجانب المخبز الذي جاء الخبّاز لتوه إليه يباشر عمله ..
فأخذوا الخبّاز ومعاونيه و أخذوا معهم كل من كان ينتظر على شباك المخبز 
ثم استأنف الجند سيرهم مع كل من جمعوهم من الشباب و الغلمان والرجال , ساروا بهم حتى مقبرة كانت موجودة في بداية حي " عين اللوزة " صفوهم بجانب بعضهم تحت غطاء السماء الأسود ثم فتحوا على صدورهم العزلاء بنادقهم , فقتلوهم أجمعين !!

" للعلم فقط " راوي القصة هو صديق لأحد المغدورين عرف القصة من أهل صديقه و جيرانه و قد دعم روايته كل من عايش القصة من أهل الحي ..

||//||

أعود لأبي قليلا و لذاكرتي التي تحفظ جزءا مما روى لي في قصصه الميتة و المدفونة في مقابر جماعية من الخوف مع باقي قصص أهالي حماة !
 فأستذكر قصة محاولة اعتقاله !

أيضا في يوم من أيام شهر شباط الأسود دهمت قوة من جند السرايا دار جدي و فيه من الرجال أبي و عمي الأصغر و طفلين رضيعين و حسب ..
فتشوا البيت بحثا عن سلاح كما قالوا , ولمّا ما وجدوا شيء تعذروا بمكتبةٍ لعمي المسافر خارج سوريا و الموجودة داخل حجرته المقفلة والتي لا يعلم أبي شيئا عنها ,, 
مسكوا الكتب كتابا كتابا , كانت منوعة بين ثقافية و علمية و أخرى للطبيعة والجغرافيا وكتيبٌ لتعليم الصلااااااة !! فكان الطامة الكبرى ,,
"  متتعلموا الصلاة يا أخونجي إنت ولا !! متتعلموا الصلاة , فز قوم معي بالله لخليك تصلي ع بلاط جهنم "

واقتاد جنديان ويزيد أبي معهم خارج المنزل لكن ..
 قد كان أبي من الحنكة والدهاء بمكان , حيث قال للجنود أثناء سيرهم به ::
" لوين أخديني يا شباب ؟ هلأ كنت عند العقيد " ...  " و هو رجعني و قلي لبقا تخلي حدا يجيبك لعندي " 

ذهل الجنود و ابتلعوا ريقهم وهم يُتأتِئوون ::
"  أأأ ولا .. ليش ما قلتلنا و نحن جوا عندك ولا ؟ بدك تبلينا انت ولو ؟!
 وف رايحين نعد لـ 3 و أبدنا نلمح طيفك بعدها , أما هالكتاب رايحين نشقو كتاب الاخونجية المجرمين " 

وفعلا شقوا كتيب الصلاة ذاك و فتتوه ثم دعسوه بأقدامهم , وركض أبي مسرعا قبل العد لثلاثة فسَلِمَ لمرة أخرى و نجا !
والشيء بالشيء يذكر : قصة العقيد الذي أخافت الجند و جعلتهم يطلقون سراح أبي كانت كذبة حاكها أبي ونجحت لتصبح رميةً من غير رامي :)
.,. 

على الهامش :لا أدري حقيقة رفقة أبي وحظه من العد لرقم ثلاثة ذاك , فقصة اللبارحة واليوم وقصة أخرى حدثت غير ذي مرة فيها عدٌّ للرقم ثلاثة وحياة ثالثة تتجدد له مع كل عدّة ..
حفظ الله والديّ ووالديكم و كم أتمنى اليوم أن يتسارع الزمن ليشهد أبي العد لثلاثة استعدادا لإطلاق الرصاصة على رأس بشار حين إعدامه يوم الحرية ..


... وللأحداث بقية 




" تمتمات ناعورة  "
30 / 1 / 2012م .. الاثنين : 9:09 صباحا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق